سورة هود - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} من يمنعني من عذاب الله، {إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} تتعظون.
{وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} فآتي منها ما تطلبون، {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فأخبركم بما تريدون. وقيل: إنهم لما قالوا لنوح: إن الذين آمنوا بك إنما اتبعوك في ظاهر ما ترى منهم، قال نوح مجيبا لهم: ولا أقول لكم: عندي خزائن غيوبِ الله، التي يعلم منها ما يضمر الناس، ولا أعلم الغيب، فأعلم ما يسترونه في نفوسهم، فسبيلي قبول ما ظهر من إيمانهم، {وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} هذا جواب قولهم: {وما نراك إلا بشرا مثلنا}. {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} أي: تحتقره وتستصغره أعينكم، يعني: المؤمنين، وذلك أنهم قالوا: هم أراذلنا، {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} أي: توفيقا وإيمانا وأجرا، {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} من الخير والشر مني، {إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} لو قلت هذا.
{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا} خاصمتنا، {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ} يعني: بالعذاب، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين.
{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} أي نصيحتي، {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} يضلكم، {هُوَ رَبُّكُمْ} له الحكم والأمر {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيجزيكم بأعمالهم.


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني نوحا عليه السلام. وقال مقاتل: يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أي: إثمي ووبال جرمي. والإجرام: كسب الذنب. {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} لا أؤاخذ بذنوبكم.
قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} روى الضحاك عن ابن عباس: أن قوم نوح عليه السلام كانوا يضربون نوحا حتى يسقط، فيلقونه في لبد ويلقونه في قعر بيت، يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل.
روي أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصا، ومعه ابنه، فقال: يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون، فقال له: يا أبت أمكني من العصا، فأخذ العصا من أبيه، فضرب نوحا حتى شجه شجة منكرة، فأوحى الله عز وجل إليه {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} {فَلا تَبْتَئِسْ} أي: فلا تحزن، {بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا نوح عليهم: {فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [نوح- 26].
وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: ربِّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا، فشكا إلى الله تعالى فقال: {رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا} إلى أن قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا}، فأوحى الله تعالى إليه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} قال ابن عباس بمرأى منا. وقال مقاتل: بعلمنا. وقيل: بحفظنا.
{وَوَحْيِنَا} بأمرنا. {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} بالطوفان، قيل: معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار، فإني قد حكمت بإغراقهم. وقيل: لا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك واعلة فإنهما هالكان مع القوم.
وفي القصة أن جبريل أتى نوحا عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يأمرك أن تصنع الفلك، قال: كيف أصنع ولست بنجار؟ فقال: إن ربك يقول اصنع فإنك بعيني، فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ. وقيل: أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.


قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} فلما أمره الله تعالى أن يصنع الفلك أقبل نوح عليه السلام على عمل الفلك ولَهَا عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهيئ عدة الفلك من القارّ وغيره، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله ويسخرون منه، ويقولون: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة؟ وأعقم الله أرحام نسائهم فلا يولد لهم ولد.
وزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه من أَزْوَر، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله في السماء ثلاثين ذراعا، والذراع إلى المنكب، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلى ووسطى وعليا ويجعل فيه كوى، ففعله نوح كما أمره الله عز وجل.
وقال ابن عباس: اتخذ نوح السفينة في سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون، فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد.
وقال قتادة: كان بابها في عرضها.
ورُوي عن الحسن: كان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ست مائة ذراع. والمعروف الأول: أن طولها ثلاثمائة ذراع.
وعن زيد بن أسلم قال: مكث نوح عليه السلام مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها، ومائة سنة يعمل الفلك.
وقيل: غرس الشجر أربعين سنة وجفَّفه أربعين سنة.
وعن كعب الأحبار أن نوحا عمل السفينة في ثلاثين سنة، ورُوي أنها كانت ثلاث طبقات، الطبقة السفلى للدواب والوحوش، والطبقة الوسطى فيها الإنس، والطبقة العليا فيها الطير، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اِغْمِزْ ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، فلما وقع الفار بجوف السفينة فجعل يقرضها ويقرض حبالها، فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفار.
قوله تعالى: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} كانوا يقولون: إن هذا الذي يزعم أنه نبي قد صار نجارا، وروي أنهم كانوا يقولون له: يا نوح ماذا تصنع؟ فيقول أصنع بيتا يمشي على الماء، فيضحكون منه، {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} إذا عاينتم عذاب الله، {كَمَا تَسْخَرُونَ} فإن قيل: كيف تجوز السخرية من النبي؟ قيل: هذا على ازدواج الكلام، يعني إن تستجهلوني فإني أستجهلكم إذا نزل العذاب بكم. وقيل: معناه إن تسخروا منا فسترون عاقبة سخريتكم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8